نور المفتى.. عملاق الباطنة
كتب د. ناجح إبراهيم
- سنحاول فى كل نشرة أن نتعرف على واحد من عمالقة الطب فى مصر والذين بدأوا مسيرة العلم الطبي فى مصر وأعطوها كل حياتهم.. حتى صار الطيب المصري من أشهر الأطباء على مستوى العالم.. ولو كانت لديه الإمكانيات العلمية الموجودة بالخارج لصار أفضل بكثير من الأطباء الأوربيين والأمريكيين.
- ونبدأ اليوم بالتعريف بأحد عمالقة الأمراض الباطنة وهو الأستاذ الدكتور/ أنور المفتى وهو أحد مؤسس هذا العلم في مصر كلها.. وقام باكتشاف العديد من الأمراض والأدوية ..وقد تخرج الدكتور/ المفتى سنة 1935.
- وكان الأول على دفعته فى البكالوريوس وفى كل سني دراسته.. وأسرته اليوم من أشهر الأسر الطبية في مصر والتي تتمتع بسمعة أخلاقية وإنسانية طيبة.. وقد انضم إلى أسرة الأمراض الباطنية وكذلك قسم الكيمياء الحيوية والذي أفاده كثيراً في أبحاثه وتجاربه.
- وكانت أبحاث الدكتور المفتى عن السكر والضغط وتصلب الشرايين فريدة من نوعها وعالمية.. وخاصة في علاج البلهارسيا التي كانت تصيب معظم فلاحى مصر وقتها.
- وكان الدكتور المفتى يتميز عن غيره بأخلاقه العظيمة وتفاؤله الدائم ورحمته بالمرضى والفقراء.. وكان يرى أن الإنسان ملئ بالخير والإمكانيات الطيبة.. وأن الناس كلهم طيبون لولا بعض الظروف التي يمكن إصلاحها وإصلاحهم.. وكان زاهداً ومتصوفا.. وقد مات الدكتور المفتى فى ليلة من ليالي رمضان سنة 1964 ولم يترك لأولاده الأربعة.. وكان أكبرهم 17 سنة.. إلا بحوثه ودراساته واكتشافاته وكان معاشه من الدولة وقتها40 جنيها في الشهر.
- وقد سئل الدكتور المفتى كيف تستطيع أن تقرأ وسط كل مشاغلك الكثيرة ؟
- فقال متبسما: أنا أقرأ كل يوم ساعتين على الأقل وأنا راكب في السيارة من القاهرة لمصر الجديدة وبالعكس.. 4مرات على الأقل يوميا ً..والساعتان مضمونتان وقد تزيد بسبب المرور.. وقد تعلم هذه العادة من أستاذه الدكتور/عبد العزيز باشا إسماعيل.
- وكان الدكتور المفتي زاهدا ً في الدنيا وفي المال.. وكذلك كان أولاده من بعده.. ومما يحكى عنه في رحمته أن طبيبا ً من أسيوط اشترى جهازاً لرسم القلب بالتقسيط بضمان الدكتور أنور المفتى ولم يدفع الطبيب الإقساط.. وظل الدكتور المفتى يدفعها حتى سددها جميعا ً.
- ويذكر أن أحد مرضى الدكتور المفتى أصابه اضطراب نفسي فكان ينتظره كل صباح على باب بيته ويطلب منه أن يسمح له الركوب بجواره ويظل المريض في سيارة الدكتور المفتى طوال اليوم.. ولا يغادرها حتى يعود به إلى بيته.. ويظل الرجل صامتا ينظر إلى الدكتور المفتى طوال الوقت.. ومع استمرار هذا الوضع ضاق أصدقاء د/ المفتى وأهله وسائقه بهذا الأمر الذي يتكرر يوميا.. ولكن د/المفتى طالبهم بأخذ الأمر ببساطه ونسيانه تماما.. وبعد مضى شهر على هذه الحالة شفى هذا المريض وانقطع عن التردد عليه.. فذهب إليه د/المفتى يسأل عنه فاعتذر الرجل بدموعه عما سببه له من مضايقات.
- وبهذه الأخلاق الكريمة عاش ومات د/المفتى.. وورث هذه الصفات إلى أولاده وأحفاده الذين يعتبرون من أعمدة الطب في مصر الآن.. وخاصة ابنه المرحوم د/على المفتى أستاذ العيون ومؤسسة جمعية نور العيون الخيرية.. والتي مازالت تقدم الخير للمرض الفقراء حتى اليوم.